السيرة العطرة

المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسََّلام على خاتم المرسلين وأشرف بريَّته محمَّد المصطفى وآله الميامين النُّجبا، وبعد:ـ

حينما يدخل الوافد إلى محافظة النَّجف الأشرف ويتأمَّل في معالمها وآثارها الدِّينيَّة والرُّوحيَّة يجد بأنَّ التَّأريخ يهمس في أذنيه بآثار تواريخ الأجيال ونداءات الحقب عبر قبَّة أمير المؤمنين "ع" ومدارس العلوم الدينيَّة والمكتبات العامرة المتفاوتة في الإعمار وإنتاج العلماء وصنع المفكِّرين الدَّاعين إلى الله عزَّ وجل ودينه القويم!!

فقد ازدهرت عاصمة العلوم والمعرفة النَّجف الأشرف بحوزة علميَّة وأنجبت الكثير من فطاحلة المذهب الجعفري المقدَّس منذ أيَّام ما بعد الغيبة الكبرى كشيخ الطائفة الشَّيخ الطُّوسي "قده" وغيره.. من الَّذين كرَّسوا حياتهم وأفنوا أعمارهم في سبيل إعلاء كلمة التَّوحيد فقادوا الأمَّة الإسلاميَّة وحفظوا مذهب أهل بيت العصمة "ع" عبر منابعه العلميَّة النَّقيَّة وتراثه الصَّافي وروحانيَّته العظيمة الَّتي تأخذ الوافد إلى نقاء الرُّوح وصفاء البصيرة.

واستمرَّت الإبداعات الإيمانيَّة والتَّطورات الفكريَّة تتواصل رغم القيود المعادية والظروف المضنية المظلمة حتَّى العصر الحالي من خلال النُّخبة الصَّالحة الَّذين رفع الله شأنهم حيث قال عزَّ من قائل [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] واختارهم واصطفاهم الله تبارك وتعالى لكي يكونوا مصابيحه في الأرض وورثة لأنبيائه كما ورد عن رسول الله "ص" (العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتي وورثة الأنبياء) وورد عن أمير المؤمنين "سلام الله عليه" (العالِم مصَّباح الله في الأرض، فمن أراد الله به خيراً اقتبس عنه) وعن أبي عبد الله "ع" قال (إنَّ العلماء ورثة الأنبياء وذاك إنَّ الأنبياء لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً وإنَّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظَّاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه فإنَّ فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

وذلك بعد أن وضع لنا أئمَّتنا "ع" أسس وقواعد لاختيارهم وليكونوا امتداداً لهم وخلفاء من بعدهم وبالخصوص أيَّام ما بعد الغيبة الكبرى، كما ورد عن الإمام الحسن العسكري "ع" (ألا فمن من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلِّدوه).

فكانت بحق الحوزة العلميَّة في النَّجف الأشرف بقيادة علماءها وفقهاءها ومراجعها العظام ـ والَّتي لم تحدَّد بعدد معيَن ـ عبر العصور الماضية وإلى وقتنا الحاضر ملجأ لكافَّة الطَّبقات وفي كافَّة المجالات يسترشدون بآرائهم ويستنيرون بروحانيَّاتهم.

ومن هذه النُّخبة الكريمة سماحة سيِّدنا الفقيه المرجع الدِّيني الكبير آية الله العظمى (السيِّد علاء الدِّين الموسوي البحراني الغريفي) "دامت بركاته" الَّذي توارث علوم آباءه الأفذاذ وأجداده من الأئمَّة الأطهار "ع" حيث ارتوى بقوَّة إدراكه وحسن السَّليقة من منبع هذه المدينة العريقة  الَّتي احتوت أرضها باب علم مدينة الرَّسول الأعظم "ص" وهو وصيُّه "ع" الأكرم أمير المؤمنين "سلام الله عليه".

فرأينا من واجبنا تجاه أبوَّته الروحيَّة أن نطلع القاريء الكريم على السَّيرة العطرة من حياته العلميَّة النيَّرة الَّتي قضَّاها بالجدِّ والتَّحصيل والعطاء رغم ما عانى من ظلم واضطهاد في زمن النِّظام البائد الَّذي كرَّس ظلمه على هذه المدينة وعلمائها الأبرار ورجالها الأخيار.

وما كتابتنا عن حياته (دام ظلُّه) إلاَّ لكي نأخذ العبرة ونستلهم الدُّروس من هكذا مفكِّرين يستلهمون التَّطبيق الشَّرعي في المحن من أهل البيت "ع" ولا يخافون في الله لومة لائم ..

النَّاشر