مرجعيَّته

بعد وفاة المرحومين المبرورين مرجعي عصرهما آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره الشريف  وآية الله العظمى السيد عبد الأعلى السَّبزواري قدس سره الشريف  التفَّ المؤمنون حول بعض تلامذتهما وخصوصاً تلامذة السيد الخوئي، وبرز منهم ـ على السَّاحة الحوزويَّة وخصوصاً النَّجفيَّة ـ نخبة صالحة طاهرة ( قدَّس الله أسرار الماضين منهم وحفظ الباقين)، ومنهم سماحة سيدنا المترجم له حيث وجد الكثيرون ممَّن تعلَّق به والتفَّ حوله فيه ضالَّتهم الرُّوحيَّة والأبويَّة المنشودة في المجالات العديدة والَّتي تمثِّل العطاء والبذل في سبيل العمل والدَّعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتمثِّل أيضاً الإخلاص الحقيقي للإسلام والمذهب بروح وروحانيَّة ملموستين.

إلاَّ أنَّه كان في البداية يتحذَّر كثيراً في التَّصدِّيات والنَّشاطات المباشرة اجتهاداً وتقليداً له مع كفاءته وتلهُّف المؤمنين عليه في شتَّى الأماكن والأقطار تورُّعاً واحتراماً لبعض معاصريه من المراجع ومنهم بعض أساتذته الَّذين كانوا في النَّجف الأشرف وقم المقدَّسة في الأعوام السَّابقة، ومع ذلك كان التفاف المؤمنين حوله يتزايد وشهرته تتَّسع من خلال أدواره الآتية الذِّكر الَّتي تمثَّل بها سماحته، ولشهرته ولشهرة أسرته العلميَّة العريقة بنسبها ورجالها الَّذين شبُّوا وشابوا على حبِّ العلم والمعرفة وبثِّهما إلى من حولهم من الفضلاء والعوام وإلى حدِّ احترام المؤمنين لهم بسببه، إذ أنَّ سماحته وفضلاء أسرته الامتداد الطَّبيعي لأجدادهم الأئمَّة الأطهار "سلام الله عليهم" إلى أن أحرجته الوظيفة الشَّرعيَّة فلبَّى مطالبهم.

ولذلك نرى أنَّ مرجعيَّته ـ في نهاية حكم الطَّاغية صدَّام وإلى حدِّ الآن ـ وبسبب شعبيَّته الهائلة تمثَّلت في جوانب عديدة بالإضافة إلى التَّدريس والتَّأليف كما هي سيرة جميع المراجع الدِّينييِّن الموجودين (حفظهم الله)، منها :ـ

1 ـ المحافظة على الدِّين الحنيف والمذهب المنيف من خلال الحث المستمر على أمور منها :ـ

أ/ الاختلاط المباشر والمستمر مع المراجع والعلماء الأعلام جهد الإمكان والمقدور بالمباشرة والتَّسبيب إن لم تمكن المباشرة ومن المبرزين منهم سماحة السيِّد المترجم له (دام ظلُّه) لما في الاختلاط من فوائد جمَّة منها التَّعرُّف على أحوالهم والانتهال والتَّزوُّد من علومهم وأخذ الفتوى من دون وسيط جهد الإمكان، وخصوصاً في فترة ما بعد وفاة العلمين المذكورين أعلاه وفي زمن الطَّاغية صدَّام فضلاً عن أوقات ما بعده من أيَّام الهرج والمرج هذه.

كما وكان يؤكِّد سماحته على هذا الأمر لمن يريد التَّقليد الابتدائي ولو على الأقل لكسب الاطمئنان الشَّخصي في مرجع التَّقليد لقلَّة أهل الخبرة في اختيار المرجع الأعلم، وأن لا يبقى في حيرة وفجوة مخلِّة بينه وبين المرجعيَّة.

ب/ الابتعاد عن ذوي الأفكار السَّقيمة والمنحرفين عقائديا  ودعاة الباطل الَّذين يتصيَّدون الفرص لبثِّ سمومهم ـ للنَّيل من شرف الإسلام وأهله والمذهب وعلمائه ـ كالوهابيَّة والسُّلوكيَّة وكل من تزيَّا بزيِّ أهل العلم (العمَّة) وهو ليس أهلاً لها، وبالأخص مَن بثَّهم أخيراً اللَّعين صدَّام من معمَّمي المخابرات للتَّخريب والتَّشويش على أجواء الاستقامة في النَّجف الأشرف وبقيَّة المحافظات وفي خارج البلاد.

ج/ حفظ الأعراض والنَّواميس الَّتي أمر الله وأنبيائه والأوصياء الميامين "سلام الله عليهم" بصونها، وخصوصاً ما كان يعرض في زمن حكم صدَّام وأعوانه الظلمة على مراجعنا العظام "حفظهم الله" بعد الحروب الطَّاحنة وكثرة الأسرى والمفقودين وبما لا يمكن إحصاؤهم من أمر طلاق النِّساء من أزواجهن والَّذي كان يجري غيابيَّاً والَّذي يجري أكثره بصورة غير شرعيَّة تلفيقاً على المراجع الكرام عن طريق ذوي الأطماع الدُّنيويَّة ممَّن لبس وتزيَّا بالعمَّة من أوقافيَّة صدَّام اللَّعين ومن بقي منهم حتَّى الآن وتظاهر بمظهر العلماء وباع ضميره من أجل الأموال وخسَّة الأحوال، إضافة إلى تسبيب تسيُّب الكثيرين والكثيرات من النِّساء الأرامل والأيتام وبقيَّة العوائل المضطهدين ممَّن يتعلَّق بالمعدومين والمفقودين وأمثالهم من النِّساء وأهل المقابر الجماعيَّة وإلى حدِّ ما يرثى له، إضافة إلى ما امتلأت به السجون والطَّوامير ودمَّرت عوائلهم وطُلِّقت بعض نساءهم بالتَّفريق اللا شرعي.

كما كان سماحته يأكِّد على أهميَّة إظهار أمثال هؤلاء للنَّاس الغيارى والعوام المؤمنين على حقيقتهم حتَّى يمتاز الصَّالح من الطَّالح.

د/ كثرة التَّحفُّظ والاحتياط في تطبيق الأحكام الشَّرعيَّة وخصوصاً في الشُّبهات، وكان سماحته دائماً يتمثَّل بترديد القول المأثور ( الدُّنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشُّبهات عتاب) و (أخوك دينك فاحتط لدينك).

هـ/ الدَّيمومة والاستمرار على التَّحصيل الحوزوي من درس وتدريس وكتابة بالنِّسبة إلى طلبة العلم حتَّى في أوقات الفراغ ولو في مطالعات خارجيَّة تثقيفيَّة وما يسمَّى بالدُّروس التَّعطيليَّة، وهذا الأمر كان ولا يزال دائماً ودؤوباً في التَّركيز عليه تجاه أبناءه الطَّلبة وفي كلِّ جلساته الَّتي تطرأ فيها هذه المناسبة وهذا الحديث حينما تغدو الوفود والجماعات على حضرته، ويوجِّهه بالخصوص أكثر إلى كل من يطلب الوكالة منه وإن كانوا محتاجين إلى طلب العلم في لزوم استخدام الوكالة في أيَّام التَّعطيل الحوزوي حتَّى أنَّه اشترط على بعضهم ذلك وفي ضمن الوكالة التَّحريريَّة، وكان يتمثَّل كثيراً بالقول المعروف (العلم أعطه كلَّك يُعطك بعضه)، لحاجة الواعظ لأن يعظ عن امتلاء علمي ولحاجة العوام إلى العلم الغزير ولئلاَّ يصيب المبلِّغ غرور علمي وكأنَّه لا أحد في المكان أفضل منه وليتواضع لطلاَّب النَّصيحة كما يتواضعون إليه.

2 ـ دعم طلاَّب العلم وروَّاده معنويَّاً ومادِّياً وبحسب إمكانيَّته وتشجيعه لهم وبالأخص أهل المحافظات النَّائية عن حوزة النَّجف الأشرف، وقد تولَّ تعميم الجموع الغفيرة من السَّادة والمشايخ واشترط عليهم شروط التَّوفيق لذلك والحث على الاستقامة وتحذيرهم من معاشرة المشبوهين ومواصلة الدَّرس والتَّحصيل والملازمة لهما إلى حين الفوز بالنَّجاح التَّام عند الامتحان والأكثر وأن لا يذهبوا إلى أهليهم إلاَّ أيَّام التَّعطيل الدِّراسي لأداء وظيفة التَّبليغ.

وكذلك تولِّي دعم غيرهم من المحتاجين وفي كافَّة المجالات كالتَّزويج للمحتاجين وعرض المرضى على الأطِّباء الأخصَّائيين المستعدِّين لذلك وتوفير المستلزمات الطِّبيَّة والدَّوائيَّة لهم.

وكذلك ختان أطفال العوائل المحتاجة سنويَّاً مرَّة أو مرَّتين جماعيَّاً والَّذي كان سماحته السَّباق إلى هذه المبادرة والإنجاز الشَّرعي الكبير وفي مناسبات إسلاميَّة عديدة بمساهمات من ذوي الاختصاص المؤمنين، وقد سلَّم الله سبحانه وتعالى سماحته والعاملين على هذا المشروع من طاغية عصره وأزلامه الكفرة من ملاحقتهم المستمرَّة.

ولم يتوقَّف أمر سماحته على مدينة النَّجف الأشرف، بل كان يأِّكِّد على المعنيين والمساهمين في ذلك بتطبيق هذا الأمر المولوي في محافظاتهم وبحسب الإمكان، وقد استجاب جمع من المؤمنين لأمر سماحة سيدنا (دام ظلُّه) في هذا وأمثاله، حتَّى عثر على شباب بالغين لم يعتن أهلهم بختانهم أبان صغرهم لضعفهم ماليَّاً أو دينيَّاً فحقَّقوا فيهم ذلك ببركة هذه المساعي.

3 ـ القضاء والحكم في قضايا المؤمنين الشَّرعيَّة، وكذلك العرفيَّة بأساليب إصلاحيَّة سديدة شرعاً.

4 ـ أجوبته على أسئلة المؤمنين الَّذين يفدون عليه يوميَّاً ومن كافَّة المناطق شفهيَّاً وتحريريَّاً وفي كافَّة المعارف، ومنها ما عن طريق الانترنيت الخاص الَّذي رتَّبه أيَّام ضعف المجرم صدَّام خدمة للمؤمنين في العالم على غلائه المادِّي في بداية فتحه حتَّى جمعت مجموعة ضخمة من هذه الاستفتاءات تصلح أن تكون موسوعة علميَّة متنوِّعة مؤهلة للطَّبع والنَّشر.

5 ـ إقامة الشَّعائر الدِّينيَّة الإسلاميَّة ـ في زمن اللَّعين صدَّام وأعوانه الأرجاس بحسب المقدور وإلى حدِّ الآن ـ والمناسبات المفرحة والمحزنة كولادات المعصومين الأطهار ووفيَّاتهم والأعياد الدِّينيَّة لأجل الدِّيمومة على تذكُّر أحوالهم "سلام الله عليهم أجمعين"، وإلى حدِّ أن كان مكتب سماحته في النَّجف الأشرف ملتقى جموع المؤمنين من كافَّة المحافظات بل حتَّى من يوفَّق لأن يأتي من الخارج في هذه الأمور وأمثالها وبما يشفي الغليل جملة أو تفصيلاً، بل سدَّ فراغاً كبيراً لدى المؤمنين المحرومين من عقد هذه الأمور في محافظاتهم في مساجدها وحسينيَّاتها وكذلك في بيوتهم، وهذه النَّشاطات لم تكن بالجديدة بل كانت قديمة من قبل اعتقاله في السِّجن الصدَّامي والَّتي كانت من دواعي اعتقاله وسجنه ومع ذلك كان مصرِّاً عليها حتَّى في السِّجن باختصار وقد حفظه الله تعالى من مضاعفاتها بدعوات صاحب الأمر "عجَّل الله فرجه الشَّريف" ودعوات المؤمنين.

6 ـ دعم مؤسَّسة أنشأت للأسرة الغريفيَّة باسم جدِّها الأعلى المتوفِّي سنة 1001هـ وهو (مؤسَّسة الشَّريف العلاَّمة الفقيه السيد حسين الغريفي قدس سره الشريف  الثَّقافيَّة) بعد أن تولَّى نقلها من قم المقدَّسة بعد أن كانت هناك أيَّام مهجر بعض أبناء الأسرة بعد انتهاء عهد عدو الله والإسلام والتَّشيُّع والإنسانيَّة صدَّام، ومن خلالها صارت تصدر نشرة شهريَّة ثقافيَّة باسم كتاب جدِّها الأعلى (الغُنية) وبعض الكتب والبيانات المهمَّة لسماحة السيد (دام ظلُّه).

كما كان لسماحة سيدنا (دام ظلُّه) الدَّور الملموس في عدَّة مشاريع، ومن أبرزها مشروع بناء مرقد ((زيد بن علي عليه السلام )) حيث وضع حجر الأساس لصحنه الجديد مع الوجيه المرحوم السيد جابر السَّعبري الصَّائغ ومع بقيَّة المتبرِّعين والسَّاعين وسعى له في أمور مهمَّة وعديدة.

كما وبعنايته الأبويَّة الرُّوحيَّة في التَّشجيع على صيانة حسينيَّة جدِّه وأبيه حسينيَّة الكريمات الكائنة قرب ساحة الشَّهيد السيِّد محمَّد كاظم الغريفي قرب جسر الأحرار وخلف وزارة العدل فجدِّدت أخيراً في بناءها بعد أن سبقه سماحة والده قدس سره الشريف  في بناءها السَّابق ووصولها إلى التَّلف، فبذلت الجهود المختلفة في إعمارها وتوسعة حرمها وفتح باب خارجيَّة مهمَّة لها ومحاولة إعادة مكتبتها الدِّينيَّة العامَّة الَّتي كان قد أسَّسها في أواسط الستينيَّات إحياءاً للعلم والمعرفة في المنطقة والَّتي كانت باسم (مكتبة الإمام علي بن موسى الرِّضا العامَّة) في مكان أوسع.

كما وأبدى عنايته الفائقة في إنقاذ حسينيَّة الكريمات فرع كربلاء المقدَّسة مقابل مرقد العالم الجليل ابن فهد الحلِّي قدس سره الشريف  في شارع باب القبلة من أيدي الأعداء الطَّامعين باستملاكها ومن الصدَّاميِّين وأرجعها إلى وقفيَّتها الأصليَّة وجعل نفسه وولده الكبير السيِّد محمَّد باقر مع بعض متولِّين آخرين عليها بعد أن كان قد هدَّمها طاغوت العصر صدَّام وأعوانه عام الهجوم على كربلاء في الانتفاضة الشَّعبانيَّة 1991م، وهي الآن في صدد إعادة بناءها بهيكليَّة ضخمة بسعي سماحته (دامت بركاته) وممَّا قيَّضه الباري تعالى له من المال ومن القوى الغيبيَّة الإلهيَّة غير المحتسبة رغم الشُّح المطاع من بعض المتموِّلين لتكون مناراً حسينيَّاً ثقافيَّاً علميَّاً عمليَّاً ومأوى لزوَّار سيِّد الشُّهداء وأهل بيته وصحبه وللتَّثويب لوالدي سماحته وله ولبقيَّة المتبرِّعين ولإعزاز كرامة أهل الكرامة من أعزَّائه من أهالي الكريمات وبقيَّة المؤمنين المشتركين، وذلك بمباشرة ولده الثَّاني المهندس الحوزوي السيد حسين الغريفي المستمرَّة، وهذا العمل يُعد الآن أهم أعماله نسأل الله تعالى إكماله له على أحسن حال.

كما وله مشروع حوزوي مهم آخر في النَّجف الأشرف قرب مكتبه نسأل الله تعالى أن يتمَّ أموره على أحسن وجه.

وهناك مشروع إعادة إعمار ما قد هدِّم سابقاً كذلك في النَّجف الأشرف وهو الحسينيَّة الحيدريَّة لأهالي الكريمات البغداديِّين بإذن الله وتوفيقه.