اعتقاله وسجنه في سجن الطَّاغية صدَّام المقبور (أبي غريب)

لم يسلم سيِّدنا المترجم له (دامت بركاته) من ظلم واضطهاد الحكم البائد لكثرة نشاطاته وقوَّة شعبيَّته وكثرة المنافقين والحسَّاد الحاقدين والوشاة الطَّامعين حيث اعتقل من قبل نظام صدَّام اللعين هو وعائلته وأطفاله في 16/5/ 1986م المصادف في السَّابع من شهر الله المعظَّم شهر رمضان المبارك سنة 1406هـ من بيته في النَّجف الأشرف ولم يراعوا حرمة الشَّهر العظيم بتهم باطلة ملفَّقة إلاَّ لشأنيَّته الدِّينيَّة والعلميَّة، وبعد ستة عشر يوماً أفرج عن عائلته وأطفاله وبقي هو في معتقل النَّجف الأشرف قرب محافظة النَّجف يعاني من ألآم التَّعذيب ومرارة الاعتقال لمدَّة سنة كاملة تقريباً إلى أن نقل إلى سجن أبي غريب بعد الحكم الظالم المؤبَّد لعوَّاد البندر "لعنه الله" وصحبه، وبقي هناك سجيناً لمدة تقرب من الخمس سنوات، وفي تلك الفترة شمل بقرارات العفو الَّتي كانت تصدر من قبل صدَّام المقبور ولكن لا ينفَّذ بحقِّه، لأنَّ الأعداء كانوا يطلقون عليه لفظ الحاقد إلى حين يوم 22/12/ 1991م وهو يوم الإفراج العام عن جميع المعتقلين بعد أن أجبر النِّظام المقبور على تحرير السُّجناء من قبل منظمات حقوق الإنسان العالميَّة وغيرها وذلك بعد تحرير الكويت وبعد الانتفاضة الشَّعبانيَّة.

وفي تلك الظروف الصَّعبة والحرجة وفي تلك الزَّنازين المؤلمة لم يتوقَّف عطاءه وبذله العلمي في سبيل إعلاء كلمة الدِّين الحنيف والمذهب المنيف حيث كان سماحته (دامت بركاته) في طوال تلك الفترة آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر بقدر استطاعته لكونه كان مراقباً من شياطين البعثيِّين ووكلائهم الخونة والجبناء والنَّواصب من بعض السُّجناء، وكان يجيب على أسئلة المسجونين المؤمنين وغيرهم حتَّى من حرَّاس تلك السجون ممَّن في بعضهم مسحة دينيَّة وعلى طبيعتهم الولائيَّة أو السَّاذجة، ممَّا سبَّب ذلك كسب محبَّة قلوب من حوله له واحترامهم البالغ له حتَّى أسلم بعض المسيحيِّين واليزيديَّة وأرجع تديُّن بعض الشيوعيِّين واستبصر على يديه بعض العامَّة وخفَّض من حماقة بعض النَّواصب الآخرين، حتَّى أنَّه مرَّت فترة في ذلك الوقت قد أمَّ الجماعة في الصَّلوات المفروضة ولجموع كثيرة جدَّاً.

وفي تلك الفترة العصيبة كتب في بعض خلواته بعض الكتب النَّافعة ، وكتب لبعض المؤمنين وصاياهم ورتَّب كثيراً من قضاياهم الخمسيَّة ومصالحاتها، وقد قضى الكثيرون ببركة نصائحه ما كان قد فاتهم من الصَّلاة والصِّيام أيَّام تساهلهم مع الاضافات الاحتياطيَّة، فكان السَِّجن بحق بسبب هذه المساعي المتنوِّعة منه مدرسة دينيَّة للهداية والتَّصحيح الأفضل رغم أنف صدَّام وأعوانه الَّذين حاولوا أن يجعلوه مدرسة بعثيَّة.

كما وقد نجح في إضرابه والجموع الغفيرة جدَّاً معه ممَّن حوله عن الطَّعام الَّذي كان يقوم بطبخه اليزيديون والنَّصارى والمتساهلون وعن اللحوم المستوردة غير الشَّرعيَّة إلى أن تولَّى ذلك المسلمون المؤمنون بذبح الكباش ذبحاً شرعيَّاً وطبخها طبخاً طاهراً إلى حين الخروح من السِّجن مع ما كان يأتي السُّجناء ما يأتيهم من خيرات أهليهم.